
الذهب والدولار.. أيهما يكسب الرهان؟
مع تزايد التوقعات بأن يتجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، يزداد الجدل في الأسواق العالمية حول الاتجاه المستقبلي لكل من الذهب والدولار الأميركي، وهما الأداتان الأكثر ارتباطاً بتحولات السياسة النقدية والاقتصاد الكلي.
بيانات أميركية هشة تعيد رسم التوقعات أظهرت بيانات التوظيف الأخيرة في الولايات المتحدة إضافة 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس آب، وهو رقم أدنى بكثير من التوقعات البالغة 150 ألف وظيفة، كما سجلت الشركات الأميركية أكثر من 86 ألف حالة تسريح، في أعلى مستوى لها منذ جائحة كورونا.
هذه الأرقام عززت قناعة المستثمرين بأن الفيدرالي لن يجد مفرّاً من تسريع وتيرة خفض الفائدة لتفادي ركود حاد.
«بيانات التوظيف الضعيفة تقوّض الثقة بالدولار وتمنح الذهب دفعة جديدة» بحسب رويترز، رفعت الأسواق رهاناتها على أن الفيدرالي قد يلجأ إلى ثلاثة تخفيضات للفائدة بحلول نهاية 2025، تبدأ من اجتماعات سبتمبر أو أكتوبر المقبلة، وهو ما انعكس سريعاً على حركة الأصول العالمية.
الذهب يلمع مع ضعف الدولار يُنظر إلى الذهب تقليدياً كملاذ آمن وقت الاضطرابات الاقتصادية، ومع تراجع العوائد الحقيقية على السندات الأميركية نتيجة توقعات خفض الفائدة، أصبح المعدن النفيس أكثر جاذبية للمستثمرين.
يقول جيمس ستانلي، المحلل في «ديلي إف إكس»: «الذهب يستفيد من عاملين مزدوجين: ضعف الدولار وتراجع العوائد الحقيقية، إذا تأكدت تخفيضات الفائدة، فإن الذهب قد يعيد اختبار مستويات 2,500 دولار للأونصة خلال 2025».
وبالفعل، ارتفع الذهب بأكثر من 4% منذ بداية أغسطس، فيما تتوقع بنوك استثمارية مثل «غولدمان ساكس» أن يتراوح سعر الأونصة بين 2,350 و2,550 دولاراً في حال استمرت الضغوط على الدولار. «الذهب قد يعيد اختبار مستوى 2,500 دولار للأونصة إذا واصل الفيدرالي التيسير.»
الدولار في موقف دفاعي على الجانب الآخر، يعيش الدولار الأميركي مرحلة ضغوط متزايدة، فالمؤشرات على ضعف سوق العمل وتراجع التضخم الأساسي تجعل العملة الخضراء أقل جاذبية، خصوصاً مع اتساع الفجوة مع سياسات نقدية أكثر تشدداً في مناطق أخرى مثل بنك إنجلترا أو البنك المركزي الأوروبي.
يقول مارك تشاندلر، كبير استراتيجيي العملات في «بانوكبيرن غلوبال فوركس»: «الدولار دخل مساراً هابطاً متوسط المدى، حتى لو شهدنا بعض الارتدادات القصيرة، فإن الاتجاه العام سيبقى نزولياً ما دام الفيدرالي يقترب من دورة تخفيض الفائدة».
انخفض مؤشر الدولار (DXY) بنحو 1.8% خلال الشهر الماضي، مسجلاً أسوأ أداء شهري له منذ بداية العام.
الأسهم والسندات.. المستفيدون الآخرون لم يكن الذهب وحده المستفيد، فقد أسهمت توقعات خفض الفائدة في دعم أسواق الأسهم الأميركية، مع ارتفاع مؤشر «ناسداك» بنسبة 3% خلال الأسبوع الماضي، بدعم من أسهم التكنولوجيا الحساسة للسيولة.
أما السندات الأميركية، فرغم أنها عادة تستفيد من التيسير النقدي، فقد تعرضت لضغوط بسبب توقعات التضخم وإصدارات الدين المرتفعة، ما أدى إلى تراجع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى نحو 3.9%.
رغم التفاؤل السائد بين المستثمرين بشأن الذهب والأسهم، فإن بعض المحللين يحذرون من سيناريو الركود التضخمي، حيث يضعف النمو الاقتصادي دون أن ينخفض التضخم بالقدر الكافي.
يقول إدوارد مويا، المحلل في «أواندا»: «إذا تراجع الاقتصاد أكثر مما ينبغي بينما يظل التضخم عالقاً فوق 3%، فسيكون الفيدرالي في وضع صعب، وقد نشهد تقلبات عنيفة في الذهب والدولار معاً».
خلاصة القول في هذا المشهد، أن مسارات الذهب والدولار تتقاطع بشكل متناقض: فالأول يستمد قوته من تراجع العوائد وضعف العملة الأميركية، فيما يعاني الثاني من ضغط التوقعات بتيسير نقدي واسع.
وبينما تراهن الأسواق على ارتفاع الذهب وتراجع الدولار، تبقى معضلة الاقتصاد الكلي هي العامل الحاسم في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
«الرهان على الذهب يرتبط بمدى قدرة الفيدرالي على خفض الفائدة دون الوقوع في فخ الركود التضخمي».