لماذا يعد الذهب الملاذ الآمن الأول.. وماذا يمكن أن يوقف صعوده؟

لماذا يعد الذهب الملاذ الآمن الأول.. وماذا يمكن أن يوقف صعوده؟

التاريخ 2025-09-23 17:33:24
المصدر: الشرق مع بلومبيرج

على مدى قرون طويلة، كان الذهب الملاذ الآمن الأول في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. تمنح مكانته كسلعة عالية القيمة يمكن نقلها بسهولة وبيعها في أي مكان شعوراً بالأمان عندما تكون بقية الأصول في حالة فوضى.

لكن ليس الجميع معجباً به، حيث وصف المستثمر الشهير وارن بافت المعدن النفيس بأنه أصل "عقيم"، قائلاً في رسالة عام 2011 إلى مساهمي شركة "بيركشاير هاثاواي" إن "من يملك أونصة ذهب لقرون، سيظل يملك أونصة واحدة فقط في النهاية".

مع ذلك، لجأ المستثمرون إلى الذهب وسط تصاعد الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وارتفاع مستويات الدين الأميركي القياسية التي أثارت القلق بشأن قوة الماليات العامة للبلاد، وتزايد التدخل في استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. بلغت حيازات الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب منتصف سبتمبر من العام الجاري أعلى مستوياتها منذ 2022، وفق بيانات جمعتها "بلومبرغ".

أدى هذا الإقبال إلى دفع المعدن النفيس لتسجيل مستويات قياسية جديدة في 2025، مواصلاً موجة صعود قوية بدأت العام الماضي. إذ اخترق الذهب مستوى 3700 دولار للأونصة في منتصف سبتمبر الحالي، مسجلاً مستوى تاريخياً جديداً بعد أن خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية.

وعادة ما يصبح الذهب -الذي لا يدر عائداً مالياً دورياً على الاحتفاظ به- أكثر جاذبية في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، إذ تتراجع تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به مقابل الأصول التي تدر عائداً خلال مدة حيازتها.

لماذا يُعتبر الذهب ملاذاً آمناً؟ بالنسبة للمستثمرين المعاصرين، يعود ذلك بشكل أساسي إلى استقرار الذهب وسهولة استخدامه كسيولة مالية أكثر من أي فائدة عملية من استخدامه هو ذاته. للذهب سجل تاريخي في الارتفاع خلال فترات توتر الأسواق. كما يُنظر إليه كأداة تحوط ضد التضخم حين تتآكل القوة الشرائية للعملات. وتزداد المخاوف بشأن التضخم حالياً مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الواردات إلى أميركا، والتي تهدد برفع الأسعار عبر الاقتصاد العالمي.

ظل التضخم في الولايات المتحدة على وجه الخصوص محور الاهتمام، مع تصاعد ضغط ترمب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة بما يتماشى مع أجندته. قفز الذهب ترقباً لقرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة، ثم واصل الارتفاع بعد إعلان الخفض بواقع ربع نقطة مئوية في 17 سبتمبر الجاري، وإن كان الزخم قد تراجع بفعل لهجة خطاب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الحذرة بشأن التخفيضات المستقبلية وسط ضعف سوق العمل واستمرار الضغوط التضخمية.

كما تعززت مكانة الذهب كملاذ آمن مع تراجع الثقة في ملاذات تقليدية أخرى -مثل الدولار الأميركي والسندات الحكومية- بفعل أجندة ترمب التجارية التي تهدد أيضاً فكرة "الاستثنائية الأميركية".

علاقة الدولار الأميركي تاريخياً، كان الذهب مرتبطاً عكسياً بالدولار الأميركي. وبما أن الذهب يُسعر بالدولار الأميركي، فإن ضعف العملة الأميركية يجعله أرخص لحاملي العملات الأخرى. هبط الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات أمام العملات الرئيسية في يوليو، وظل ضعيفاً حتى منتصف سبتمبر.

بعيداً عن الأسواق، يظل امتلاك الذهب متجذراً بعمق في الثقافتين الهندية والصينية -أكبر سوقين للمعدن عالمياً- حيث تُورث المجوهرات والسبائك وأشكال الذهب الأخرى عبر الأجيال كرمز للرخاء والأمان. تملك الأسر الهندية نحو 25 ألف طن من الذهب، أي ما يزيد بخمسة أضعاف على مخزون مستودع مبنى خزانة سبائك الإيداع الأميركية المعروف بـ"فورت نوكس".

ويُعرف المشترون للذهب المادي بحساسيتهم للأسعار، لكن عندما يتراجع إقبال المستثمرين الماليين على الذهب، يتدخل مشترو الحُلي والسبائك لاقتناص الفرص، ما يشكل دعماً لأسعاره.

لماذا صعدت أسعار الذهب قبل عودة ترمب إلى السلطة؟ الارتفاع الكبير لأسعار الذهب منذ بداية 2024 كان مدفوعاً جزئياً بعمليات شراء ضخمة من البنوك المركزية، لا سيما في الأسواق الناشئة الساعية لتقليص اعتمادها على الدولار الأميركي، العملة الاحتياطية العالمية. يساعد الذهب على تنويع احتياطيات النقد الأجنبي وحماية الاقتصادات من تراجع العملات.

ظلت البنوك المركزية مشترياً صافياً للذهب على مدى 15 عاماً، لكن وتيرة الشراء تضاعفت بعد غزو روسيا لأوكرانيا. مع تجميد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أموال البنك المركزي الروسي، اتضح أن الأصول المقومة بالعملات الأجنبية عرضة للعقوبات.

وفق مجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية أكثر من ألف طن من الذهب في 2024 للعام الثالث على التوالي، وتحتفظ حالياً بنحو خُمس إجمالي الذهب المستخرج عبر التاريخ. ومع ذلك، تباطأت وتيرة الشراء مؤخراً بفعل ارتفاع الأسعار.

ماذا قد يوقف موجة صعود الذهب؟ بعد مسار صعود شبه متواصل منذ مطلع العام الماضي، ربما تشهد السوق مرحلة تصحيح مع قيام المستثمرين بجني الأرباح. كما يمكن أن يؤدي تخفيف كبير في رسوم ترمب الجمركية أو التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا إلى تراجع الأسعار.

لكن البنوك المركزية تبقى الركيزة الأهم وراء الزخم الصعودي، ما يعني أنها الأقدر أيضاً على إلحاق الضرر إذا خفضت احتياطياتها.

حتى الآن لا توجد مؤشرات على أن أي بنك مركزي كبير يخطط لذلك. لم تبع بنوك الاقتصادات المتقدمة سوى كميات محدودة من الذهب خلال العقود الأخيرة، مقارنة بحقبة التسعينيات من القرن الماضي وذلك حين أدت مبيعات مستمرة إلى هبوط الأسعار بأكثر من الربع خلال العقد. بسبب المخاوف من تأثير تلك المبيعات غير المنسقة على السوق، تم توقيع أول "اتفاقية الذهب للبنوك المركزية" عام 1999، والتي التزمت بموجبها الأطراف بالحد من مبيعاتها الجماعية من المعدن.

هل كون الذهب أصلاً مادياً يسبب مشكلات للمستثمرين؟ امتلاك الذهب ليس مجانياً، فهو أصل مادي يتطلب دفع تكاليف التخزين والحماية والتأمين. كما أن المستثمرين الذين يشترون السبائك والعملات عادة ما يدفعون سعراً أعلى من السعر الفوري. يمكن أن تظهر فروقات حسب المناطق الجغرافية في الأسعار، يستغلها التجار عبر صفقات المضاربة.

هذا ما حدث في وقت سابق من العام حين دفعت المخاوف من احتمال فرض ترمب رسوماً على واردات الذهب إلى ارتفاع عقود الذهب المستقبلية في بورصة "كومكس" في نيويورك فوق الأسعار الفورية في لندن بشكل كبير. أطلق ذلك سباقاً عالمياً لنقل المعدن الفعلي إلى الولايات المتحدة الأميركية للاستفادة من الفارق الكبير وتحقيق أرباح بمئات الملايين من الدولارات.

لكن هذه التجارة توقفت فجأة في أبريل الماضي بعد أن أوضحت إدارة ترمب أن الذهب سيكون معفى من الرسوم. أثار الموقف قلقاً مؤقتاً في أغسطس الماضي، عندما قالت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية إن بعض سبائك الذهب قد تخضع لـ"الرسوم الجمركية المتبادلة" التي فرضها ترمب، قبل أن يتدخل الأخير مؤكداً أن الذهب لن يواجه ضرائب استيراد.

عادة ما يكون نقل الذهب سهلاً نسبياً، إذ يُشحن في عنابر الطائرات التجارية بعيداً عن أنظار الركاب. لكن العملية ليست بسيطة تماماً، بسبب اختلاف مواصفات الأوزان في الأسواق العالمية: ففي لندن المعيار هو سبائك بوزن 400 أونصة، بينما في عقود "كومكس" يجب تسليم سبائك بوزن 100 أونصة أو كيلوغرام واحد.

وهذا يعني أن الذهب المتجه إلى مستودعات "كومكس" يجب أن يمر أولاً عبر مصافي في سويسرا لإعادة صهره وصبه وفق الأبعاد المطلوبة، قبل نقله إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يخلق اختناقات عند وجود اندفاع مفاجئ لإعادة توزيع المخزون.

حمل تطبيق eDahab

ابق على اطلاع بآخر أسعار الذهب والعملات على جهازك المحمول.

Download eDahab from play store Download eDahab from app store