
ماذا يخبئ الثلث الأخير من 2024 للاقتصاد العالمي؟
يتلقى الاقتصاد العالمي مع دخول الأشهر الأخيرة من عام 2024 إشارات متزايدة تؤكد مواصلة النمو الحذر المتأثر بحال عدم اليقين بسبب استمرار التوترات الجيوسياسية التي انحصر تأثيرها أخيراً، لكنها ستظل من العوامل التي قد تثير الشكوك في أن خفض الفائدة قد يكون الحل السحري لإنعاش الأسواق المالية في ظل توجه بعض البنوك المركزية الكبرى لتحويل سياستها النقدية بعد مواجهتها لمعدلات تضخم شرسة، بحسب ما أفاد به محللون اقتصاديون إلى "اندبندنت عربية".
ومع حلول الأربعة الأشهر الأخيرة من العام الحالي فإنه لا تزال هناك مجموعة من الأخطار والإجراءات المتعلقة بالسياسة النقدية التي ستقود أداء الاقتصاد العالمي في تلك الفترة إما إلى استمرار الاستقرار النسبي أو الوقوع في فخ تباطؤ النمو.
وأشار المحللون إلى أبرز العوامل التي ستحدد مسار الاقتصاد العالمي وإلى أين يتجه في الأشهر الأربعة المتبقية من العام الحالي؟ وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية الأميركية والتوترات الجيوسياسية والسياسة النقدية ومدى تغيرها وتأثيرها في نمو الدول الناشئة.
وكان البنك الدولي توقع في أحدث إصدار له في يونيو (حزيران) الماضي من تقرير "الآفاق الاقتصادية العالمية" أن يحقق الاقتصاد العالمي معدلات نمو مستقرة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، عام 2024، ولكن عند مستويات ضعيفة بالمقاييس التاريخية الحديثة.
وتوقع البنك أيضاً أن يظل النمو العالمي ثابتاً عند 2.6 في المئة عام 2024 قبل أن يرتفع إلى 2.7 في المئة في المتوسط في الفترة 2025-2026، وهو أقل بكثير من المتوسط البالغ 3.1 في المئة في العقد السابق على تفشي جائحة كورونا.
ووفقاً لتقرير صادر عن "صندوق النقد الدولي" من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى نحو 2.9 في المئة مقارنة بـ3.4 في المئة عام 2024، مما يعكس تأثيرات السياسات النقدية المشددة التي اتبعتها البنوك المركزية لكبح التضخم.
وتشير البيانات الاقتصادية على مستوى العالم إلى تباين كبير في معدلات النمو بين الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة.
فوفقاً لتحليل حديث صادر من "بنك أوف أميركا" شهدت الاقتصادات المتقدمة تباطؤاً ملحوظاً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، إذ من المتوقع أن ينخفض النمو في الولايات المتحدة إلى 1.2 في المئة وفي منطقة اليورو إلى نحو 1.1 في المئة، بينما تواجه الصين تحديات كبيرة في تحقيق هدف النمو السنوي البالغ 5.5 في المئة بسبب التباطؤ في قطاع العقارات وسياسات الإغلاق المتكررة.
من ناحية أخرى استطاعت بعض الأسواق الناشئة مثل الهند الحفاظ على معدلات نمو قوية، إذ من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي إلى 6.3 في المئة في 2025 بفضل السياسات التحفيزية وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، كما أن دول الخليج مثل السعودية تتوقع نمواً بمعدل 3.4 في المئة مدفوعة بزيادة الإيرادات النفطية وتنوع الاقتصاد.
ووفقاً لتحليل حديث صادر من "غولدمان ساكس" فإن التوترات الجيوسياسية تضيف طبقة من التعقيد على قرارات السياسة النقدية، إذ تواجه البنوك المركزية توازناً دقيقاً بين دعم النمو وكبح التضخم، كما أن تأثير العقوبات، والتحولات في أسعار الطاقة، والضغوط على سلاسل الإمداد يزيد من صعوبة وضع السياسات النقدية الفعالة.
وبصورة عامة يتوقع المحللون أن عام 2025 سيكون عاماً مليئاً بالتحديات، إذ سيكون على الأسواق العالمية التعامل مع مجموعة من الأخطار الاقتصادية والجيوسياسية، مما يجعل التوقعات غير واضحة بصورة كبيرة.
أداء فاق التوقعات من جانبه يرى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" وضاح الطه إن قراءة الأرقام الأساس لأهم اقتصادات العالم، وفي مقدمها الاقتصاد الأميركي الذي حقق أرقاماً فاقت التوقعات من حيث نسبة النمو، إذ سجل 2.8 في المئة بفارق ملحوظ عن المتوقع البالغ اثنين في المئة فحسب، علاوة على أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة تعد من أبطأ المعدلات التاريخية.
وتوقع الطه أن يسهم بدء خفض الفائدة المرتقب من "الفيدرالي" الأميركي في ضخ في المزيد من السيولة بالاقتصاد، بالتالي تنشيطه بصورة أكبر.
بحسب الطه فإنه في المقابل أن اقتصاد ثاني أكبر دولة بالعالم الاقتصاد الصيني يعاني حالياً، إذ إنه يواجه استمرار أزمة ديون القطاع العقاري، مضيفاً أنه في حال حدث تباطؤ هناك فسيتجه بنك الشعب الصيني إلى تحفيز الاقتصاد الوطني عبر خفض الفائدة. وأكد أن الأخطار الجيوسياسية أصبحت تنحصر في منطقة الشرق الأوسط، بالتالي تتجاهل الأسواق المالية المواجهات التي تحدث بين إسرائيل و"حزب الله". ولفت إلى أن الأسواق المالية بالمنطقة أصبحت مرنة مع تلك الأحداث ولديها القدرة على استعادة نشاطها مرة أخرى وبسرعة، وإن تأثرت بتلك الأحداث الجيوسياسية. وأشار إلى أن الأحداث الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا لا تزال تأثيراتها متباينة في دول الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أنه ما سيؤثر في الأسواق المالية الأميركية إلى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل هي الانتخابات الأميركية والتي قد تشهد ارتفاعات قوية حال فوز دونالد ترمب.
المخاوف تتلاشى من جانبه أفاد رئيس قسم البحوث في "إيكويتي غروب" العالمية رائد الخضر بأنه بعد أكثر من عامين من التشديد النقدي القوي المستمر الذي تبنته معظم البنوك المركزية حول العالم، أصبح الاقتصاد العالمي حالياً في حال ترقب حذر ما بين استعداد البنوك للتخلي عن تلك السياسات والبدء في خفض الفائدة، وما بين المخاوف الناجمة عن شبح الركود وعدم القدرة على تخطي تلك السياسات التي تسببت في عرقلة معدلات النمو.
وأوضح الخضر أنه في الفترات الماضية كانت البيانات الاقتصادية تنذر باحتمالات انزلاق اقتصاد الولايات المتحدة الأكبر عالمياً إلى الركود. وأشار إلى أنه كان على رأس تلك البيانات قطاع سوق العمل الأميركية التي أظهرت تباطؤاً في نمو خلق الوظائف الجديدة، مما تسبب في زيادة حال العزوف عن المخاطرة وسيطرة عمليات البيع على أسواق الأسهم. وأشار إلى أن تلك المخاوف قد تلاشت تدريجاً، خصوصاً بعد البيانات الاقتصادية الصادرة أخيراً، والتي تعكس قدرة الاقتصاد الأميركي على التأقلم على رغم الضغوط التي تواجهه. وأكد أنه للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة أعوام يتوقع البنك الدولي أن يحقق الاقتصاد العالمي استقرار في معدلات النمو بعد سلسلة التباطؤ التي عاناها الأعوام الماضية، مشدداً على أن الأسواق أصبحت تستعد لاتخاذ الفيدرالي الأميركي أول قرار لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر (أيلول) المقبل، إذ سيكون هذا القرار الأول من نوعه منذ 2020.
تحديات اقتصادية بدوره رجح المدير العام لشركة "سولت" للاستشارات المالية" طارق قاقيش استمرار التحديات الاقتصادية عام 2025 مع تزايد المخاوف من التباطؤ الاقتصادي واتساع دائرة الاضطرابات الجيوسياسية. وأشار إلى أنه إلى جانب السياسات النقدية فإن هناك عوامل أخرى ستؤثر في التوقعات بتباطؤ الاقتصاد العالمي مثل ارتفاع مستويات الديون العالمية، وتأثير السياسات التجارية الحمائية، واضطرابات سلاسل التوريد، وهي العوامل التي ستظل من التحديات الرئيسة للنمو الاقتصادي العالمي، فيما تشير التوقعات إلى استمرار الضغوط على أسواق العمل والموارد، مما قد يزيد من التضخم ويحد من قدرات النمو.