هل حان وقت الهبوط الكبير للذهب؟

هل حان وقت الهبوط الكبير للذهب؟

التاريخ 2025-08-12 15:57:14
المصدر: CNN الاقتصادية

لم يعد الذهب مجرّد ملاذ آمن يطمئن المستثمرون إليه في أوقات الأزمات، بل تحوّل مؤخراً إلى ساحة مغامرة عالية المخاطر.

فبعد أن قفزت أسعاره إلى مستويات قياسية تاريخية، بدعم من تصاعد التوترات الجيوسياسية وارتفاع الرسوم الجمركية وتوقعات استمرار الحرب، بدأت المؤشرات تتغير،وسط الحديث عن تهدئة الصراعات يزداد، والمستثمرون الكبار بدؤوا بجني الأرباح.

والنتيجة هي توقعات متزايدة بأن موجة صعود الذهب قد تكون على وشك الانكسار.

وفي تطور مفاجئ عزز هذه المؤشرات، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، استثناء الذهب من الرسوم الجمركية المرتفعة التي كانت قد فُرضت مؤقتاً نهاية يوليو تموز، وهو ما هدّأ الأسواق وخفف من المخاوف التضخمية التي أسهمت سابقاً في دفع الأسعار إلى قفزات تاريخية.

ويعكس ذلك بوادر استقرار مستقبلي في الأوضاع وبالتالي استقرار مبدئي في أسعار والأسواق.

خلال الأشهر الماضية، ارتفع سعر الأونصة بأكثر من 25% مقارنة ببدايات العام، متجاوزاً سقفاً تاريخياً لم يشهده السوق من قبل.

كان هذا الصعود مدفوعاً بعوامل نفسية واقتصادية معاً، وهي الخوف من اتساع رقعة النزاعات، الضبابية في مسار الاقتصاد الأميركي، وتوقعات إطالة أمد السياسات النقدية التيسيرية.

ومع اقتراب الذهب من حاجز نفسي جديد، دخلت الأسواق في حالة «شراء عاطفي» أشعلت وتيرة المضاربات.

مؤشرات انحسار الزخم.. الذهب يفقد دعائم الصعود ويواجه شبح التصحيح الآن، ومع تراجع الرسوم الجمركية على بعض السلع الرئيسية وعودة الحديث عن احتمالية إنهاء الحرب أو على الأقل تهدئتها، فقدَ الذهب اثنين من أقوى محفزات صعوده، وهما القلق الجيوسياسي والضغط التضخمي المستورد.

من الناحية النفسية، المستثمرون الذين اشتروا الذهب عند قمته، اعتماداً على استمرار موجة الصعود، قد يجدون أنفسهم أمام ضغط بيعي سريع بمجرد كسر مستويات دعم رئيسية.

ومن الناحية الكمية، أي هبوط بنسبة 10% من المستويات الحالية قد يعيد الأسعار إلى مستويات ما قبل الصعود الحاد، وهو ما يعني تراجع الأونصة بنحو 250 دولاراً، في حال تحقق سيناريو التصحيح.

أما من ناحية السيولة، دخول الصناديق الاستثمارية في موجة جني أرباح واسعة قد يضاعف وتيرة الهبوط، خاصة في ظل ضعف الطلب الفعلي من أسواق المجوهرات في آسيا خلال الصيف.

الذهب بعد القمة التاريخية.. مخاطرة أم فرصة؟ بلغ سعر أوقية الذهب قمماً قياسية جديدة في الأشهر الماضية، فقد تجاوز المعدن الثمين في أبريل نيسان 2025 مستوى 3145 دولاراً للأوقية.

ولكن في تعاملات الاثنين الماضي، 4 أغسطس آب، عاد السعر للتراجع إلى نحو 3377 دولاراً مع انحسار المخاطر الجيوسياسية العالمية.

أعزت تحليلات اقتصادية الصعود القياسي للذهب إلى عاملين رئيسيين، الأول هو التوترات في العلاقات التجارية بين كبرى الاقتصاديات العالمية، إذ هدّد الرئيس الأميركي ترامب بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على شركاء تجاريين.

والثاني يتمثل في التصعيد الجيوسياسي، خصوصاً في أوكرانيا والشرق الأوسط، ما حفّز الطلب على الذهب كملاذ آمن.

ونتيجة لهذه العوامل غير الاعتيادية، ارتفع الذهب بنسبة تقارب 70% خلال 16 شهراً حتى أبريل نيسان الماضي، مسجلاً سلسلة طويلة من الأرقام القياسية المتتالية.

حطم هذا الصعود القوي المعايير التقليدية للأسواق، فحتى مع صعود الدولار وتوقعات رفع الفائدة لم ينخفض الذهب، كما صرح خبراء اقتصاديون.

لكن الأحداث الحديثة أعادت خلط الأوراق، مع إعلان الرئيس ترامب عن لقاء مرتقب مع الرئيس الروسي بوتين لبحث إنهاء الحرب في أوكرانيا، بدأت المخاطر تتراجع، بما فيها التكهنات بشأن ضخ أموال طارئة أو تكاليف إضافية.

وفي الوقت نفسه، تشهد أسواق المال تطوراً آخر، وهو استعادة العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مع اقتراب الموعد النهائي 12 أغسطس آب للمفاوضات حول التعريفات الجمركية.

وفي حال توصل الطرفان إلى اتفاق أو تعليق التعريفات، فإن ضغوط التضخم العالمية قد تخف، وهو ما يميل عادة إلى خفض الطلب على الذهب كتحوط ضد التضخم.

غير أن الحاضر يحمل زوايا أخرى، فمع استبعاد المستثمرين أحد عوامل الصعود (الحرب التجارية/الجيوسياسية)، يبقى الحافز الآخر هو التوقعات الاقتصادية.

إذ تنتظر الأسواق صدور بيانات التضخم الأميركية، التي قد تقود إلى إعادة تقييم مسار الفائدة، وفي هذا السياق، يرى سيمبسون أن «قراءة قوية قد تعزز قوة الدولار وتحد من مكاسب الذهب»، رغم أنه يعتقد أن «مستويات الدعم ستظل قائمة مع سعي المستثمرين لاقتناص الفرص بأسعار منخفضة»

ويضاف إلى ذلك أن بيانات الوظائف الأخيرة في أميركا كانت أضعف من المتوقع، ما أعاد جدلاً بشأن خفض محتمل لأسعار الفائدة في سبتمبر أيلول المقبل.

وهذا التراجع في أداء الاقتصاد الأميركي عزز رهانات تخفيف السياسة النقدية، وهو ما قد يدعم الذهب، بيد أن أي رفع مفاجئ للتضخم أو عودة للتوترات التجارية قد ينعكس من جديد على الفائدة الحقيقية، وبالتالي يصب في صالح الذهب.

التوقعات المستقبلية أما توقعات الأسعار المستقبلية، فمزيجها متضارب، فقد تتباين توقعات الذهب؛ فـ«جيه بي مورغان» رجّح متوسط 3675 دولاراً للأوقية بنهاية 2025 مع إمكانية تجاوز 4000 دولار في النصف الأول 2026.

بينما توقعت «غولدمان ساكس» وبنوك كبرى تجاوز 4000 دولار إذا استمر الطلب على الملاذات الآمنة.

لكن هدوء المخاطر دفع بعض المحللين لسيناريو هبوطي عند 3000–3200 دولار خلال الربعين المقبلين، فيما تبقى تقديرات متفائلة قائمة إذا حدثت مفاجآت في السياسات النقدية أو التضخم.

ويعزز الذهب عوامل هيكلية مثل مشتريات البنوك المركزية وتنامي المخاوف التضخمية جراء تصاعد الديون.

على صعيد المستثمر العربي، فإن ما يحدث في سوق الذهب العالمي يحمل انعكاسات مهمة، فالذهب لا يزال جزءاً مهماً من مدخرات ملايين الأفراد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ إذ تعتبره الأسر في دول مثل مصر والإمارات ولبنان ملاذاً تقليدياً ضد التضخم وهبوط العملة.

وهنا تبدو حالة الهبوط فرصة للشراء على المدى البعيد للمهتمين بالذهب كتحوط استراتيجي، لكنها قد تشكل خسارة للمستثمرين الذين دخلوا السوق في ذروة الصعود السابقة.

كما أن البنوك المركزية العربية التي تحتفظ باحتياطيات من الذهب ستتأثر من تذبذب السعر في قيمة ممتلكاتها؛ فمخزون الدول الغنية بالذهب يتقاسمه تذبذب السعر مع ضغوط اقتصادية أخرى.

وعلى مستوى الأسواق المالية الإقليمية، قد تتحرك رؤوس أموال بين الأصول، فهبوط الذهب قد يوجه انتباه بعض المستثمرين إلى الأسهم أو السندات خاصة إذا ترافق مع إشارات تحسّن في النمو أو استقرار في الأوضاع الإقليمية.

الخلاصة، رغم التراجع الحالي، يبقى الذهب أداة تحوط فعّالة ضد المخاطر التضخمية والسياسية على المدى الطويل، وقد تعاود أسعاره الصعود إذا ارتفعت الضغوط الاقتصادية أو الجيوسياسية مجدداً.

لكن أي مشترٍ جديد عليه أن يضع في اعتباره التقلبات الحادة التي رافقت القفزات السابقة، فالمستثمر الذي اشترى عند القمم يحتاج إلى الصبر، فيما قد يرى آخرون في المستويات المنخفضة فرصة للشراء.

ستكون الأيام المقبلة حاسمة، إذ سيحدد سلوك المستثمرين ما إذا كانت المخاطر قد انحسرت أم ستعود، ما يجعل الموجة الحالية للشراء النفسي مخاطرة محتملة وفرصة في آن واحد لمن ينظر بعيداً.

حمل تطبيق eDahab

ابق على اطلاع بآخر أسعار الذهب والعملات على جهازك المحمول.

Download eDahab from play store Download eDahab from app store