
بين الحذر والطمع... هل يشعل المستثمرون فقاعة ذهبية جديدة؟
يلجأ بعض المستثمرين إلى شراء الذهب لتجنب الضرر المحتمل من فقاعة جديدة، سواء كانت في أسهم قطاع التكنولوجيا، أو في الإنفاق الحكومي، أو حتى فقاعة في أسعار السلع نتيجة التضخم، ولكن ماذا لو كان التدافع على الذهب هو الفقاعة الحقيقية؟
إن ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 56% حتى الآن هذا العام أمر لا يمكن التغاضي عنه، والغريب هو تزامن هذا الارتفاع مع انتعاش حاد في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية منذ أبريل.
ربما فسّرت الحروب التجارية العالمية والمخاطر الجيوسياسية الارتفاع الكبير في الطلب على الذهب كملاذ آمن أو كأداة لتوزيع المخاطر، خاصةً بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، لكن طفرة السبائك استمرت حتى مع تعافي أسواق الأسهم بشكل حاد من أدنى مستوياتها في أبريل، وتراجع مؤشرات الارتباك التجاري والجيوسياسي وعدم اليقين.
من المؤكد أن السياسات المالية والنقدية العالمية التيسيرية قد عززت مخاوف عودة التضخم العالمي للارتفاع، وبالتالي نحن أمام حالة تجمع بين العوائد المنخفضة على السندات وتوقعات بارتفاع التضخم قريباً، ما يعني أسعار فائدة حقيقية منخفضة في المدى المنظور، وهو أمر يدعم شراء المعدن النفيس، ذي العائد الصفري.
وفي الولايات المتحدة هناك رغبة صريحة من إدارة ترامب في إضعاف ما تعتبره دولاراً مبالغاً في قيمته، وبالتالي إنعاش البديل الذهبي.
لكن هناك سؤال: كيف نحدد ما إذا كان ارتفاع أسعار الذهب قد تجاوز الحد المنطقي؟ فعلى عكس تقييمات الأسهم التي تتسم بالوضوح، لا يوجد إجماع على كيفية تقييم الذهب.
تضاعف سعر الذهب في خمس سنوات، وارتفع بأكثر من 250% خلال العقد الماضي، فمتى يُعتبر هذا السعر مبالغاً فيه؟
يقول مايك دولان، محرر الشؤون المالية والأسواق في رويترز «ما لا شك فيه هو أن الجميع تقريباً لا يزالون متفائلين، وهو سلوك غالباً ما يرتبط بالفقاعات، وهذه الحقيقة وحدها قد تكون سبباً وجيهاً لتشكك المستثمرين فيما سيحدث لاحقاً».
حتى مع تسجيل الذهب رقماً قياسياً جديداً عند 4100 دولار للأونصة هذا الأسبوع، يتوقع غولدمان ساكس ارتفاعاً آخر بنسبة 20% بحلول نهاية العام المقبل، ويرى سوسيتيه جنرال أن صعود الذهب إلى 5000 دولار «أمرٌ لا مفر منه»، ويقول فريق جي بي مورغان إن قرار الاحتفاظ بأرصدة الذهب على المدى الطويل هو أحد «أقوى وجهات نظره في مختلف الأصول».
الذروة في غياب مقاييس تقييم مقبولة تعتمد التوقعات على تقدير العرض والطلب.
يستمر شراء المعدن النفيس من قِبَل البنوك المركزية وصناديق الذهب المُتداولة، والتي تجذب المزيد من المستثمرين الرئيسيين الباحثين عن تحوّط أكثر تنوعاً من السندات الحكومية طويلة الأجل التي تُثير قلقاً متزايداً، وبما أن طلب البنوك المركزية يبدو أكثر ثباتاً، يواصل المُحللون الاعتماد عليه، لكن ليس واضحاً متى يتوقف هذا الطلب.
أما طلب المستثمرين من القطاع الخاص فهو مثير للحيرة.
رأى مديرو الأصول العالميون، الذين يستطلع بنك أوف أميركا آراءهم شهرياً، أن «شراء الذهب على المدى الطويل» كان ثاني أكثر تداولات سبتمبر زخماً بعد أسهم التكنولوجيا الأميركية العملاقة، لكن أكثر من ثلث هؤلاء المديرين لم يكن لديهم أي مراكز استثمارية في الذهب على الإطلاق، وبلغ متوسط التخصيص المرجح لمن قاموا بالشراء بالفعل 4.2% فقط.
وبدأت ثلاثة عوامل تتعلق بالارتفاع الهائل في أسعار الذهب تُقلق المستثمرين، وهي السرعة الهائلة للارتفاع، والانفصال التدريجي عن مؤشرات عدم اليقين، والانفصال عن أسعار الفائدة الحقيقية النسبية بل والانفصال عن الدولار نفسه.
يشير بنك جي بي مورغان إلى أن الارتفاع الأخير في سعر الذهب قد تجاوز الحد الذي يمكن تفسيره بانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، استناداً إلى فكرة أن انخفاض العوائد الحقيقية على الأصول «الآمنة» الأخرى يجعل الذهب بديلاً أكثر جاذبية.
ويعتقد البنك أن هذه الفجوة يمكن تفسيرها بحجة الطلب الفعلي، ويقترح الشراء مع أي تراجع جديد في أسعار الفائدة الحقيقية.
لكن كلاً من جي بي مورغان وإتش إس بي سي يُشيران إلى ما سيحدث إذا ارتفع سعر الفائدة المفروض من الاحتياطي الفيدرالي.
مع ارتفاع توقعات التضخم، ارتفعت أسعار الذهب في الربع الأخير، وذلك بالتزامن مع انخفاض سعر الفائدة المفروضة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بنحو 50 نقطة، إلا أن سعر الفائدة المتوقع خلال الفترة المُقبلة ارتفع قليلاً عن التوقعات السابقة، ما دعم الدولار، وساعد في ذلك اضطرابات سياسية في اليابان (الين) وفرنسا (اليورو).
ورغم الهزة التي أصابت المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يوم الجمعة الماضي، فقد تراجعت المخاوف الاقتصادية والجيوسياسية مقارنةً ببداية 2025، لكن الذهب لم يتوقف عن الصعود.
يرجح بنك إتش إس بي سي أن يؤثر تراجع التوترات العسكرية والتجارية العالمية خلال العام المقبل سلباً على أسعار الذهب، ومن المرجح أن يُؤدي التحليل الفني وفق الرسوم البيانية إلى حدوث تعثر قبل ذلك.
يقول فريق دويتشه بنك إن شهري سبتمبر وأكتوبر ربما شهدا «ذروة في التوجه»، حيث تُظهر مؤشراتهما أن أسعار الذهب تجاوزت المتوسط المتوقع وفق الرسوم البيانية بكثير.
يقول مايك دولان، من رويترز «لا أحد يُريد تحديد قمة يتوقف فيها الذهب عن الصعود، لكن الجميع يترقب مشاهدة الانحدار».