«أسعار الذهب».. هل انتهى التصحيح أم أن الانهيار لم يبدأ بعد؟
الذهب بين التهدئة الجيوسياسية وضغوط التصحيح السعري
تعيش أسواق الذهب مرحلة دقيقة تتسم بتقلبات حادة وحذر متزايد بين المستثمرين، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن احتمالات انفراج جيوسياسي عالمي وتهدئة في الملفات الأكثر توتراً مثل الحرب الروسية الأوكرانية والعلاقات الأميركية الصينية.
وفي الوقت الذي سجّل فيه المعدن النفيس اليوم الاثنين 3 نوفمبر 2025 مستوى قريباً من 4003 دولاراً للأوقية بعد تصحيح قوي من قمته التاريخية عند 4381.50 دولاراً، تتجه الأنظار إلى ما إذا كان هذا التراجع مقدمة لانهيار أوسع أم أنه مجرد محطة تصحيح مؤقتة قبل استئناف الصعود.
مشهد اليوم
يبحث في بقاء الذهب في منطقة حساسة سعرياً عصية فنياً وبين قوتين متعاكستين؛ تهدئة عالمية تدفعه للهبوط، ومخاطر غير محسومة تُبقِي عليه كملاذ آمن في أعين المستثمرين.
تأثير التهدئة الجيوسياسية
من شأن أي انحسار للمخاطر الجيوسياسية وتقدم مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا ونفي الولايات المتحدة عزمها توريد صواريخ توماهوك إلى الجانب الأوكراني أن يضعف شهية المستثمرين تجاه الذهب، الذي لطالما ازداد بريقاً باشتعال الأوضاع وتأزم الحروب وتفاقم آثارها ورقعتها.
هدوء الجبهات السياسية والعسكرية يعيد الثقة إلى الأسواق، ويشجع على عودة رؤوس الأموال نحو الأسهم والسندات والأصول عالية المخاطر، ما يقلل من الطلب التحوطي على المعدن الأصفر.
موقف الفيدرالي الأميركي
كما أن تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول الأخيرة حول أن خفض الفائدة مجدداً ليس مضموناً، تزيد من توجهات المستثمرين نحو التخارج من الذهب في الوقت الحالي.
ويُستشهد في هذا السياق بتجربة عام 2020، حين تراجع الذهب من 2075 إلى 1675 دولاراً بعد الإعلان عن لقاحات كوفيد-19 وتراجع التوتر بين واشنطن وبكين رغم بقاء التضخم مرتفعاً آنذاك.
العلاقات الأميركية الصينية
تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وبدء التفاهم حول إنهاء صفقة تيك توك وتهدئة ملف الرسوم الجمركية بين البلدين قد يكون عاملاً إضافياً يدفع الذهب نحو الهبوط.
كل اتفاق تجاري أو استراتيجي بين القوتين يُسهم في تنشيط التجارة العالمية وتحسين تدفقات السلع، وهو ما ينعكس إيجاباً على الدولار وسلباً على الذهب، خاصة أن التصريحات الرسمية الصادرة من الجانبين تشير إلى اتفاق على الكثير من القضايا المحورية، وهو ما يدعم هبوط المعدن النفيس أكثر.
وتشير التجارب السابقة إلى أن فترات التفاهم التجاري بين الطرفين، مثل اتفاق المرحلة الأولى في عام 2019، كانت تتزامن مع ارتفاع العملة الأميركية وتراجع الذهب.
الحرب الروسية الأوكرانية
تستمر التوقعات المتعلقة بملف الحرب الروسية الأوكرانية في التأثير على الذهب، إذ استفاد المعدن خلال السنوات الماضية من تداعيات النزاع وارتفاع أسعار الطاقة وعمليات شراء البنوك المركزية –خصوصاً في روسيا والصين– بهدف تحصين الاحتياطات.
غير أن أي تسوية سلمية أو اتفاق لوقف الحرب من شأنه أن يعيد الاستقرار إلى أسواق الطاقة ويقلل الحاجة إلى التحوّط، ما يشكل ضغطاً سلبياً إضافياً على الأسعار.
وتشير تقديرات اقتصادية حديثة إلى أن كل انخفاض بنسبة 10% في مؤشر المخاطر الجيوسياسية يؤدي عادة إلى تراجع الذهب بنحو 3% إلى 4% على المدى القصير.
العوامل الاقتصادية الأخرى
إلى جانب تلك العوامل، فإن عودة الدولار الأميركي للارتفاع واستمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يزيدان من الضغط على الذهب، فمع تراجع التوترات وتحسن الثقة في الاقتصاد الأميركي، يعود المستثمرون إلى السندات ذات العائد الثابت، بينما يظل الذهب أصلاً لا يدر فائدة، ما يجعله أقل جاذبية في بيئة نقدية متشددة.
التوقعات المستقبلية
انطلاقاً من هذه المعطيات، يتفق عدد من الخبراء على أن الذهب قد يدخل في موجة تصحيحية متوسطة إلى قوية إذا تكللت جهود التهدئة بالنجاح، مع احتمالات هبوطه نحو مستويات تتراوح بين 3800 و3700 دولار للأوقية، وربما أدنى من ذلك مؤقتاً.
في المقابل، يبقى احتمال الارتداد قائماً في حال فشل هذه المساعي أو تجدّد بؤر التوتر الجيوسياسي، وهو ما قد يحول أي تراجع راهن إلى مجرد استراحة قبل صعود جديد نحو قمم تاريخية.