لماذا ارتفع الذهب رغم قوة التوظيف الأمريكي؟
تحليل عمر فاضل الأحمد: لماذا ارتفع الذهب رغم البيانات الإيجابية لسوق العمل الأمريكي؟
عادةً ما تُعتبر البيانات الإيجابية لسوق العمل الأمريكي عامل دعم لـالدولار وضغطًا على أسعار الذهب، إذ يُفسَّر تحسّن التوظيف كدليل على قوة الاقتصاد واستمرار التشديد النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
لكن يوم 5 نوفمبر 2025 شهد سلوكًا استثنائيًا: صدرت بيانات توظيف وخدمات قوية، ومع ذلك ارتفع الذهب بدل الانخفاض المتوقع.
هذا الانحراف دفع المحللين إلى قراءة أعمق لفهم ديناميكيات السوق وكيف فُسّرت البيانات بطريقة مغايرة للتوقعات التقليدية.
أولاً: مؤشرات ظاهرية قوية
أظهرت البيانات تحسينًا واضحًا في معظم مؤشرات النشاط الأمريكي:
- التوظيف في القطاع الخاص (ADP): +42 ألف وظيفة مقابل توقع 32 ألف وقراءة سابقة -29 ألف.
- مؤشر مديري المشتريات الخدمي (ISM Services PMI): ارتفع إلى 52.4 نقطة مقابل 50.7 توقعات سابقة.
- نشاط الأعمال غير الصناعي (ISM Non-Manufacturing Business Activity): قفز إلى 54.3 من 49.9، وهو أعلى مستوى منذ ستة أشهر.
- مؤشر الطلبيات الجديدة: سجل 56.2 مقابل 50.4 سابقًا، ما يعكس توسعًا في الطلب المستقبلي.
من الناحية النظرية، هذه الأرقام تشير إلى تحسن اقتصادي واسع النطاق كان يجب أن يدعم الدولار ويضغط على الذهب.
إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
ثانيًا: التركيز على التفاصيل النوعية
رغم العناوين الإيجابية، أظهرت التفاصيل صورة أكثر توازنًا، بل ومقلقة نوعًا ما:
- مكوّن التوظيف داخل ISM بقي في نطاق الانكماش عند 48.2، ما يشير إلى أن النشاط الخدمي لم ينعكس بقوة على سوق العمل.
- مؤشر الأسعار المدفوعة في القطاع غير الصناعي تراجع إلى 70.0 من 69.4، ما يعكس تراجعًا تدريجيًا في الضغوط التضخمية.
بالتالي، قرأ المستثمرون البيانات على أنها تحسّن محدود ضمن بيئة تضخم آخذة في الانخفاض، وهي بيئة عادةً ما تدعم الذهب وتضغط على الدولار.
ثالثًا: هشاشة التحسّن ودلالات القطاع العقاري
تفكيك البيانات يكشف نقاط ضعف أساسية تجعل التحسّن الاقتصادي محدودًا وغير متوازن:
- نمو الأجور السنوي في القطاع الخاص تباطأ إلى 3.6%، مما يخفف المخاوف من التضخم ويقلل الضغط على الفيدرالي لرفع الفائدة.
- معدل المشاركة في القوى العاملة انخفض من 62.7% إلى 62.5%، ما يعني أن جزءًا من التحسن الظاهري في البطالة جاء بسبب انسحاب بعض الأفراد من سوق العمل.
- تقرير ADP أظهر أن معظم الوظائف الجديدة جاءت في قطاعات منخفضة الأجور مثل الضيافة والرعاية الصحية، بينما تراجع التوظيف الصناعي والتقني، ما يعكس تحسنًا غير متوازن اقتصاديًا.
- مؤشرات القطاع العقاري والتمويل أظهرت تباطؤًا واضحًا في النشاط الائتماني:
- مؤشر سوق القروض العقارية: 332.3 مقابل 338.7 سابقًا.
- مؤشر إعادة التمويل العقاري: 1,290.8 مقابل 1,327.8 سابقًا.
هذه الأرقام تؤكد أن الاقتصاد لا يزال يواجه ضغوط الفائدة المرتفعة السابقة، وأن التحسّن في سوق العمل محدود وغير كافٍ لدعم تسارع النمو الحقيقي، مما يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن وسط هذه البيئة.
رابعًا: توقعات الفيدرالي كانت الحاسمة
على الرغم من البيانات الإيجابية، بقيت الأسواق تراهن على خفض الفائدة خلال الربع الأول من 2026.
وفق أداة CME FedWatch، ارتفعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس من 62% إلى 68%.
هذا يعكس قناعة المستثمرين بأن الفيدرالي لن يغيّر مسار السياسة النقدية، خاصة مع تباطؤ الأجور وضعف مكوّن التوظيف الصناعي.
خامسًا: التحليل الفني يغذّي الزخم الصعودي
من الناحية الفنية، كان الذهب قد اقترب من منطقة دعم قوية عند 3930 دولار للأونصة، وهي نقطة مثالية لدخول المشترين قصيري الأجل.
مع صدور البيانات وعدم ارتفاع العوائد كما توقع السوق، بدأ المستثمرون في تغطية مراكز البيع (Short Covering)، ما أدى إلى زخم صعودي تجاوز الذهب حاجز 3995 دولار في الساعات التالية.
الخلاصة
صعود الذهب في 5 نوفمبر 2025 لم يكن مفاجأة عشوائية، بل نتيجة تفاعل السوق الذكي مع جودة البيانات لا كميتها:
- تحسّن ظاهر في المؤشرات، لكنه مخفي وراء تباطؤ الأجور وضعف التوظيف الصناعي وتراجع المشاركة العمالية.
- توقعات خفض الفائدة بقيت قائمة، مما أبقى العائد الحقيقي على السندات منخفضًا.
- الدعم الفني عند مناطق 3930 دولار عزز الزخم الصعودي وصولًا إلى 3995 دولار.
الدرس الأكبر: الأسواق لا تتعامل مع الأرقام على سطحيتها، بل تفسّرها ضمن سياق السياسة النقدية وتوقعات الاقتصاد الحقيقي.
والذهب، كالعادة، يظل مرآة دقيقة لتوازن القوى بين الدولار والفيدرالي والاقتصاد الحقيقي، وليس مجرد انعكاس مباشر للبيانات الاقتصادية.
تنويه: تطبيق eDahab غير مسؤول عن وجهة نظر المحلل عمر فاضل الأحمد.